شجرة الاحزان مشرف علي صفيح ساخن
عدد الرسائل : 1591 العمر : 41 البلد : مصر العمل : مهندس كمبيوتر الهوايات : ماليش هوية محددة تاريخ التسجيل : 06/04/2008
| موضوع: «جنينة الأسماك» دعوة لتأمل دهاليز الواقع والحياة 9th أبريل 2008, 3:46 pm | |
| يشاهد جمهور السينما «جنينة الأسماك» أحدث أفلام فنان السينما المصري الكبير يسري نصر الله، الذي كان عرضه العالمي الأول في مهرجان برلين ٢٠٠٨ في برنامج «بانوراما» والفيلم سادس فيلم طويل يخرجه الفنان في ٣٠ سنة بعد أربعة روائية («سرقات صيفية» ١٩٨٨، و«مرسيدس» ١٩٩٣، و«المدينة» ١٩٩٩، و«باب الشمس» ٢٠٠٤، وفيلم تسجيلي «صبيان وبنات» ١٩٩٥).
من واقع هذه الأفلام يبدو نصر الله من المخرجين الذين لا يقفون وراء الكاميرا إلا بدوافع داخلية عميقة، ولذلك نقول إنه فنان سينمائي، ومن واقع الأفلام أيضاً نراه يخوض في كل فيلم تجربة فنية جديدة، ولا يخضع للذوق السائد سواء في مصر أو العالم، ولذلك نقول إنه فنان كبير يملك شجاعة الإقدام، وروح المغامرة والبحث الشاق الممتع عن الجمال، والذي يعني دائماً الرغبة في أن يشاركه جمهوره هذه المتعة.
هنا يكتب السيناريو مع ناصر عبدالرحمن، الذي سبق أن شاركه كتابة سيناريو «المدينة»، عن مجموعة من المهنيين «الناجحين» من سكان حي الزمالك الراقي في القاهرة ٢٠٠٦ من الأجيال التي كانت في سن العاشرة أو دونها عام ١٩٨٠، ولكنهما لا يكتبان «قصة» ذات بداية ووسط ونهاية، وإنما عن مجموعة شخصيات في ثلاثة أيام شتوية لا يلتقي أحدهم مع الآخر إلا لينفصل، يتصلون ولكنهم لا يتواصلون، تجمع بينهم «المدينة» (المكان)، وفي خلفية «الأحداث» الإعلان عن وصول وباء أنفلونزا الطيور إلي مصر ومظاهرات حركة «كفاية» (الزمان).
دهاليز الحديقة والبشر
وإذا كان يسري نصر الله قد كتب السيناريو علي الورق مع ناصر عبدالرحمن الذي تتفجر موهبته في كل فيلم جديد يكتبه، أو يشارك في كتابته، فقد كتب الفيلم علي الشاشة مع عدد من كبار المبدعين في فنون السينما، خاصة مدير التصوير سيد بهزان، والمونتيرة مني ربيع، ومهندس الديكور عادل المغربي، ومصممة الأزياء ناهد نصر الله، ومصمم الماكياج شريف هلال، ومؤلف الموسيقي تامر كروان، ومهندس الصوت إبراهيم الدسوقي، وطاقم التمثيل، خاصة هند صبري وعمرو واكد وجميل راتب وباسم سمرة وسماح أنور وسلوي محمد علي وليلي سامي ومنحة البطراوي.
كتب يسري نصر الله الفيلم علي الشاشة بحركة الكاميرا وحركة الشخصيات في لقطات طويلة معبرة تدعو إلي التأمل، وبالألوان الكابية حيث تدور أغلب «الأحداث» في ظلام الليل، وبالمونتاج الذي يؤكد الانفصال رغم الاتصال، والديكورات والأزياء العصرية التي تؤكد الثراء المادي، والماكياج الذي يعكس الفقر الروحي، كما في وجه ليلي بكر (هند صبري) الذي يمحيه اللون الأبيض، وهو ليس لوناً، ولا يختلف في جوهره عن وجه سليمان (جميل راتب) الطاعن في السن، والذي يحتضر من مرض السرطان، وبالعلاقة المركبة بين شريط الصورة وشريط الصوت، وموسيقي تامر كروان التي تتراوح بين الحلم والكابوس.
إننا أمام فيلم من السينما الخالصة حيث يصبح الشكل هو المضمون، والأسلوب هو المعني، فما نراه علي الشاشة ليس «ترجمة» لسيناريو من لغة الأدب إلي لغة السينما، وإنما إنشاء بلغة السينما يعتمد في أصله علي سيناريو مكتوب بلغة الأدب. وحديقة أسماك القاهرة، أو جنينة الأسماك كما يطلق عليها سكانها، عنوان الفيلم، من معالم حي الزمالك، وتتميز بمعمارها الذي يقوم علي فكرة الدهاليز حيث تتكون من ممرات علوية وسراديب ومغارات سفلية متقاطعة.
يبدأ الفيلم بلقطات للقاهرة في الليل من زوايا عالية أقرب إلي لوحة تجريدية، وفي خلفية شريط الصوت تغني أسمهان «ياحبيبي تعالي شوف اللي جرالي»، وفي البداية نري جنينة الأسماك من وجهة نظر يوسف (عمرو واكد) وهو يتأملها في الليل من شرفة شقته، أي من زوايا عالية أيضاً تحيلنا إلي اللقطات الأولي حيث تبدو الجنينة بدورها مثل لوحة تجريدية، ثم نري الجنينة وسط الفيلم ويوسف يدور حول أسوارها، وفي النهاية وهو داخلها يتلصص علي العشاق الذين يفرون إليها، ويتصورون أنهم في مأمن من العيون، ولا تراهم سوي الأسماك في أحواضها، وهي مخلوقات يقال إنها من دون ذاكرة، وجنينة الأسماك علي هذا النحو وسيلة من وسائل الربط بين أجزاء الفيلم، والتعبير عن معناه في الوقت نفسه، ولكن بمفردات لغة السينما دون غيرها من لغات التعبير، فنحن ندخل دهاليز البشر كما ندخل دهاليز الحديقة.
عالم من دون حب
وعلي شريط الصوت، ومع اللقطات الأولي للقاهرة في الليل تقدم الشخصية «المحورية» مذيعة الراديو ليلي بكر برنامجها الليلي «أسرار الليل» الذي يتحدث فيه الناس عن حياتهم الخاصة عبر التليفون، ويبوحون بأسرارهم، مثل برنامج «اعترافات ليلية» للمذيعة اللامعة بثينة كامل، ولكن الفيلم لا علاقة له بالبرنامج الحقيقي أو المذيعة الحقيقية بالطبع، وفي الوقت الذي تغادر فيه ليلي منزلها وتقود سيارتها، يدخل يوسف بسيارته، في نفس مكان سيارتها في شارع يطل علي النيل في الزمالك، ومن خلال الحوار مع زميله وصديقه طبيب الأنف والأذن، سمير (تميم عبده) ندرك أن يوسف طبيب تخدير، ويدور الحوار بينهما عن برنامج ليلي وإلي أي مدي هو حقيقي، ونعرف أن سمير من هواة المغازلات عبر التليفون، وأنه كما تحب ليلي الاستماع إلي اعترافات الليل يحب يوسف الاستماع إلي المرضي وهم يتحدثون بعد تخديرهم، فالجميع يريدون البوح في مأمن من الآخرين.
وفي لقطات طويلة تتحرك الكاميرا ذهاباً وإياباً في الليل عبر الشارع المطل علي النيل لنري الأولاد والبنات علي الشاطئ وداخل السيارات مثلهم في الجنينة، ويقول سمير إنه لم يعد يطيق زوجته، أما يوسف فنراه يفضل النوم في سيارته، وتأتي مروة (درة) لتوقظه وتجره إلي الفراش في شقته، وندرك أنها مطلقة وتنتظر الزواج منه ولكن من دون أمل، فلا حب حقيقياً بين الزوج وزوجته ولا بين الطبيب وعشيقته، بل ولا حب حقيقياً بين يوسف ووالده سليمان الذي يحتضر في المستشفي، ولا بين ليلي وأمها الأرملة (منحة البطراوي) التي تعيش معها، ويفرق بينهما اللون الشاسع بين جيل الآباء والأمهات الذين كانوا شباباً عام ١٩٥٠ وجيل الأبناء والبنات شباب ٢٠٠٦، وفي لقطة واحدة طوال الفيلم نري شقيق ليلي الشاب علاء وهو يشاهد التليفزيون، ولا يدور حوار بينه وبين أمه أو أخته علي الإطلاق.
والانفصال كامل بين المذيعة «السافرة» والرقيبة «المحجبة» في اتحاد الإذاعة والتليفزيون، وهناك مشروع زواج بين ليلي ومهندس الصوت زكي (باسم سمرة)، ولكننا لا نراهما إلا في الاستديو عبر الفواصل الزجاجية السميكة التي لا ينفذ منها الصوت، ورغم أن زكي يعلم بوجود علاقة بين ليلي ورجل «مهم» منذ كانت في الثامنة والعشرين من أربع سنوات، فإنه يقدم لها عنواناً لشقة في «المهندسين» اختارها لكي يتزوجا فيها.
وكما ينتظر العجوز سليمان الموت ينتظره في نفس المستشفي الشاب عمرو (أحمد الفيشاوي) ويقرب الموت بينهما أقوي مما يقرب بين سليمان وابنه يوسف. ويتأكد غياب الحب في عالم فيلم «جنينة الأسماك» من خلال قصة الحب التي تروي بالأبيض والأسود في وسط الفيلم وقلبه، وبأسلوب السينما الصامتة حيث يكتب الحوار علي الشاشة، فهي قصة مثل قصص ألف ليلة تمثل فيها هند صبري دور الأميرة وباسم سمرة دور حبيبها الذي كان عصفوراً، وعندما تحول إلي إنسان تزوج غيرها.
المجرم ابن رجل القانون
بمنتهي البساطة تري ليلي جارتها الطالبة الصغيرة تبكي أمام مصعد العمارة لأنها حامل، فتعدها بمساعدتها علي الإجهاض، في عيادة سرية. وبينما ليلي أميرة في الفيلم الصامت بالأبيض والأسود تحلق مع العصافير، نراها في الواقع بالألوان تذهب إلي السيرك لمصاحبة طفلي صديقتها ألفت (مروة الصاوي)، وتستغرق مع فقرة ترويض الأسد، وبوجود الطيور مع الحيوانات والأسماك والبشر يكتمل عالم الفيلم كمصغر للحياة، ويصبح له بعد ثان يتجاوز الواقع المصري في مدينة القاهرة.
والفتاة الحامل بالخطأ، والتي نراها بداية اليوم الثاني من أيام الفيلم الثلاثة، هي التي تربط في النهاية بين ليلي ويوسف الذي نراه يشترك في عمليات إجهاض وترقيع غشاء البكارة في عيادة سرية لزميل له طبيب نساء يتزوج من ممرضة العيادة سمية (ليلي سامي) لمجرد إرضاء شهواته، وهي نفس العيادة التي تقصدها ليلي مع الفتاة لإجهاضها في حي فقير من أحياء القاهرة تعرف ليلي يوسف من صوته لأنه كان قد تحدث معها في البرنامج، ويعرفها بدوره من صوتها المميز الذي طالما استمع إليه.
يعي ممرض العيادة السرية حمدي (عزت إبراهيم) في تناقض بين تدينه وعمله غير الأخلاقي، ولكنه يبرره بالحاجة إلي المال. أما يوسف فلا يشعر بأي تناقض بين عمله كطبيب وما يمارسه في العيادة السرية، وكأنه أمر عادي، تماماً يمثل رد فعل ليلي عندما أخبرتها الفتاة بأنها حامل، ولكن التناقض نراه كمتلقين بين حقيقة أن الطبيب هنا مجرم بكل معني الكلمة، وحقيقة أن والده سليمان النادي كان أستاذاً للقانون، وهو ما نعرفه من ضابط شرطة تعرف علي يوسف بالصدفة في الشارع، وطلب منه أن يوصله بسيارته، وفي الطريق يقول له إن والده كان أستاذه في كلية الشرطة.
مرجريت والأزمة الكبري
هناك ثمانية مشاهد - لقطات طويلة في الفيلم يتحدث فيها ثمانية ممثلين وممثلات إلي الكاميرا مباشرة، أي إلي الجمهور، عن الشخصيات التي يقومون بتمثيلها، والعلاقة بينها وبين الشخصيات الأخري، ودور هذه المشاهد الرئيسي أن تمنع المتفرج من الاستغراق في «القصة»، ودعوته إلي التأمل وإعمال العقل فيما يراه، ولكن هذه المشاهد بدت مقحمة لأنه لا توجد قصة أصلاً، ولأنها لم تكن أسلوباً متبعاً مع كل الشخصيات، أو لا يعرف المتفرج لماذا هذه الشخصيات دون غيرها.
ورغم ذلك فهذه المشاهد تجربة فنية شائقة ومثيرة، ومن بينها مشهد مرجريت (سماح أنور) صاحبة الشقة التي تذهب ليلي لمشاهدتها بناء علي طلب زكي، وهو «ماستر سين» يدخل ضمن المشاهد الكبري في تاريخ السينما المصرية حيث قدمت سماح أنور مونولوجاً طويلاً بحرفية عالية وإبداع أصيل، فكل ما تقوله بلسانها لا علاقة له بمشاعرها الحقيقية التي تبدو في أدائها وإلقائها.
إنها وحيدة في مصر بعد أن هاجر ولداها إلي أمريكا، ولكنها من الأجيال التي ترتبط بوطنها ارتباطاً عميقاً. إنها تتحدث عن هواجسها من مصر التي يرتفع فيها صوت التطرف الديني، ولكنها تتمسك بمصر التي تنتمي إليها، وتعرف أنها نموذج للتسامح الديني. ومن المؤكد أن التطرف هو الأزمة الكبري بألف لام التعريف.
وينتهي الفيلم بيوسف يتأمل النيل في الليل من زاوية عالية وهو يطل عليه من شرفته، ومركب حائر يدور في المياه، وتربط هذه اللقطة بين اللقطات الأولي للمدينة ولقطات الجنينة، ولكن مخرجنا ينهي الفيلم بدجاج الأنفلونزا وكفاية والأمن المركزي رغم أنه ليس فيلماً سياسياً، وإنما السياسة في خلفية العمل الذي يغوص في شخصياته المهنية «الناجحة» من الخارج، ويكشف عن مدي فشلها وخوائها من الداخل. _________________ | |
|
crying heart GENERAL MANEGAR
عدد الرسائل : 4922 العمر : 36 البلد : اسكندريه تاريخ التسجيل : 13/03/2007
| موضوع: رد: «جنينة الأسماك» دعوة لتأمل دهاليز الواقع والحياة 10th أبريل 2008, 3:44 am | |
| ميرسي علي المعلومات الجامده ده يا باشا تسلم ايديك بجد | |
|